إن الهندسة المعمارية المستدامة هي أكثر من مجرد دمج لبضع من الألواح الشمسية أو استخدام مواد معاد تدويرها، بل إنها تتعلق بتصميم المباني والبيئات التي تتفاعل بشكل إيجابي مع الطبيعة، وتخفض الأثر البيئي، وتعزز صحة الإنسان ورفاهيته.
مع زيادة مستوى التحضر وتصاعد التأثيرات الواضحة لتغير المناخ على العالم، فإن الهندسة المعمارية هنا المستدامة ليست مجرد اتجاه، بل هي باتت ضرورة حتمية.
تعريف ونظرة عامة للاستدامة
العمارة المستدامة هي التقاء بين التصميم والحفاظ على البيئة أو الوعي البيئي.
فهي ليست مقتصرة على بناء المباني فقط، بل تتعامل أيضاً مع كيفية البناء بطرق تقلل من تأثيره على البيئة. يتميز هذا النهج المعماري بالتركيز على تقليل التأثير البيئي السلبي للمباني من خلال تعزيز الكفاءة والاعتدال في استخدام المواد والطاقة ومساحة التنمية والتطوير.
المبادئ الأساسية
ويشمل ذلك استخدام مواد بناء مستدامة، وزيادة كفاءة استهلاك الطاقة، وضمان طول عمر البنية.
وكما قال طارق سكيك، الحائز على جوائز عديدة في التصميم البيئي ورئيس قسم التصميم في مجموعة الكيدرا "في أساسها وجوهرها، العمارة المستدامة تشبه الشجرة – متجذرة بعمق في الحساسيات البيئية، ولكنها تصل إلى آفاق مبتكرة".
المنظور التاريخي
من الناحية التاريخية، كانت الهندسة المعمارية تركز على إنشاء مبانٍ دائمة مع تجاهل نسبي للبيئة، ولكن مع تصاعد التحديات العالمية مثل تغير المناخ، تطور النهج المعماري فلم نعد نبني من أجل اليوم فقط، بل من أجل المستقبل.
الدافع وراء التركيز على العمارة المستدامة
يسهم قطاع البناء بنسبة تقريبية 40% من انبعاثات الكربون العالمية، ومع التوسع الحضري، يمكن للبناء غير المنظم وغير تابع للرقابة أن يزيد من تدهور البيئة. ومع توقعات بارتفاع مستوى سطح البحر وتغير نمط الطقس، تصبح الممارسات المعمارية المستدامة أمراً ضرورياً.
يشدد فؤاد أيوب من الكيدرا على هذه النقطة قائلاً "تصاميمنا تعكس موقفنا البيئي، وعندما نقم بالبناء بلا اعتبار، فإننا لا نخون الجماليات فحسب بل نخون البيئة والكوكب أيضاً."
التحضر ونمو البيئة التحتية
بحلول عام 2050، سيعيش ثلث سكان العالم في المدن، وهذه الزيادة الحضرية تتطلب توسيع البنية التحتية. ولكن مع التوسع الحضري يأتي التحدي في التنمية المستدامة.
ومن هنا تظهر المباني الخضراء وتصميم المدن المستدامة كوسيلة لضمان أن التنمية الحضرية لا تكون على حساب البيئة.
الآثار الاجتماعية والاقتصادية
بعيداً عن الأثر البيئي، تحمل العمارة المستدامة أهمية اجتماعية واقتصادية.
على سبيل المثال، تقلل المباني الفعالة من استهلاك الطاقة وتقلل من تكاليف الخدمات العامة، مما يخفف العبء المالي على سكانها.
بالإضافة إلى ذلك، تميل التصاميم المستدامة إلى توفير الإضاءة الطبيعية والتهوية الجيدة، مما يؤثر بشكل إيجابي على جودة حياة السكان.
تعتقد م. نايا الأندلس احدى مهندسات مجموعة من الكيدرا أن "المبنى ليس مجرد أرض وجدران، بل هي نظام بيئي، ولذلك يجب علينا التصميم بمراعاة احتياجات الناس والكوكب على حد سواء."
العمارة المستدامة في الممارسات العملية
1. كفاءة الطاقة: والتي تشمل التقنيات مثل الألواح الشمسية والعزل الحراري للجدران، وتلك الهياكل يمكن أن تخفض استهلاك الطاقة بنسبة تصل إلى 50%.
ذكر مهاب أيوب، الرئيس التنفيذي لشركة الكيدرا قائلاً: "كل واط يتم توفيره من خلال التصميم يمثل خطوة نحو مستقبل أكثر خضرة".
2. المحافظة على المياه: تُعالج مشكلة نقص المياه العالمي من خلال جمع مياه الأمطار واستخدام تقنيات موفرة للمياه وإعادة تدوير مياه الصرف الصحي.
3. اختيار المواد: استخدام المواد المعاد تدويرها والمتجددة يمكن أن يقلل بنسبة تزيد على 40% من انبعاثات الكربون للمباني.
والحصول على المواد المحلية يساهم أيضاً في تقليل انبعاثات النقل وتعزيز الاقتصادات المحلية.
4. تعزيز التنوع البيولوجي: الحدائق العمودية وأسطح المباني الخضراء والمناظر الطبيعية المدمجة في التصاميم ليست جمالية فقط بل تعزز أيضاً التنوع البيولوجي.
وكما قال مهاب أيوب: "المبنى الذي يستدعي الطبيعة إلى داخله ليس مجرد هيكل بل كيان حي".
العمارة المستدامة: ما وراء المباني
1. المجتمع والعافية: تسهم الأحياء المصممة باعتبار الاستدامة في تعزيز الترابط المجتمعي، وتحسن مسافات المشي والمساحات الخضراء المشتركة والطبيعة المتكاملة بشكل كبير من الصحة الجسدية والعقلية للسكان.
2. القيمة الاقتصادية: غالباً ما ترتفع قيمة العقارات المستدامة بسبب الارتفاع في الطلب عليها.
ونظرًا للتوفير المستدام للموارد مثل الطاقة والمياه، فإن ذلك ينتج عنه توفير كبير على مدار حياة المبنى.
3. إثبات المستقبل: تتميز الهندسة المعمارية المستدامة بالمرونة. تم تصميم هذه الهياكل مع مراعاة التحديات المناخية المستقبلية المحتملة، مما يضمن استدامتها وقدرتها على التكيف مع التحديات البيئية المتوقعة، مع تخفيض تكاليف الصيانة وتحقيق طول العمر المنشود.
الخاتمة
بكل تأكيد، كما قال طارق سكيك، الهندسة المعمارية المستدامة ليست مجرد مجال متخصص بل هي جزء من مستقبلنا.
مع تغيرات العالم، يجب أن نتكيف ونبتكر. من خلال تفضيل الاستدامة في التصميم المعماري، نقوم ببناء أكثر من مجرد هياكل، بل نخلق إرثًا يحمل مسؤولياتنا تجاه البيئة ويعزز الابتكار والتوازن مع العالم من حولنا.
للمزيد من المعلومات أو الاستفسارات، لا تتردد في الاتصال بنا!